اليمين هو القََسَم أي: الحلفان واليمين الغموس هو أن يحلف المرء على أمر كله كذب متعمدا كأن أن يحلف على أمرِِ ما أنه ما حدث وهو قد حدث أو أن يحلف على أنه اشترى سلعة بالسعر كذا وهو ما قد اشتراها بهذا السعر، وهو يعتبر من عظائم الذنوب في الإسلام، وسُمى اليمين الغموس بذلك الاسم لأنه يغمس صاحبه في نار جهنم.
أنواع اليمين وكفارتها
توجد ثلاثة أنواع من الأيمان منها ما هو له كفارة ومنها ما ليس له كفارة وفيما يلي شرح لهذه الأنواع الثلاثة:
اليمين الغموس
هو كما فسرناه اليمين الكاذب المتعمد الذي يحلف به صاحبه بالباطل والبهتان على أمر ما بغرض المصلحة مثل ترويج بضاعته، وفي ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم (اليمين الغموس مروجة للبضاعة ممحقة للبركة)، ويعتبر اليمين الغموس من الكبائر وذلك لأنه:
يوقع صاحبه في إثمِِ كبير، ويعتبر اليمين الغموس هو من ضمن خمس ليس لهن كفارة، أجمع عليهم جمهور العلم أنهم ليس لهم كفارة ألا وهم كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- (خمس ليس لهن كفارة الشرك باللّه وقتل النفس بغير حق، وبهت مؤمن والفرار يوم الزحف ويمين صابرة يقتطع بها مالًا بغير حق).
الشرك أولهم فمن مات وهو مشرك، فليس له عند الله من توبة أو مغفرة وذلك لقوله تعالى: (إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِۦ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يشاء ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَٰلًۢا بَعِيدًا). النساء الآية 48.
أما بالنسبة لليمين الغموس، فهو ليس له كفارة أو توبة من الله، وفي ذلك يقول ابن قدامة في كتابه المغني (اليمين الغموس ليس له كفارة، لأن ما أتى به المسلم أعظم من أن تكون له كفارة يغفر الله له بها ذنبه).
اليمين الغموس به جرأة من العبد الضعيف على الله القوي، فالعبد يستخدم أجََل الأسماء في الكذب على الناس من أجل مصلحته الشخصية، وهو في الحقيقة ما يكذب إلا على نفسه.
لم يذكر العلماء أي كفارة لليمين الغموس سوى توبة العبد الصادقة وكثرة الاستغفار.
اليمين المنعقدة
وهو أن يُقسِم المرء على شيء يود أن يفعله في المستقبل وقد يفعله أو لا يفعله، ويعتبر اليمين المنعقد من الأيمان التي لها كفارة وفيما يلي سوف نتعرف على ذلك:
اليمين المنعقد هو النوع الذي تجب فيه الكفارة على المسلم لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- (من حلف بيمين على شيء ورأى أن غيره أفضل منه فليأتِ بالذي هو خير ثم يكفر عن يمينه).
أجمع العلماء بأن كفارة اليمين هي فرض على كل مسلم ومسلمة،والكفارة لمن لا يعلمها هي عقاب أوجبه الله تعالى على المسلم إذا خالف أحد شرائعه، أو أتى إحدى نواهيه.
على الرغم من كون الكفارة أشبه بالعقاب من الله تعالى إلا أن فائدتها تتخطى حد العقاب، فالمسلم الذي يكفر عن يمينه في الدنيا يقابل المولى عز وجل في الآخرة بدون ذنب اليمين في حالة إذا تاب الله عليه في الدنيا وتقبل منه كفارته.
كفارة المسلم الذي وقع في اليمين المنعقد هي أن يطعم عشرة مساكين، فإن لم يكن قادرا على الإطعام ينتقل إلى الكفارة الثانية وهي كسوة عشرة مساكين أي شراء ملبس لعشرة واحداً منهم.
وعلى المسلم عند الكفارة تحري المسكين الذي هو فعلا في احتياج سواء كان لمأكل أو لمشرب أو لملبس أو لمأوى، فالمسكين هو من لا يجد قوت يومه، وهؤلاء هم المقصودون من الآية الكريمة.
فمن لم يستطع أيضا كسوة عشرة من المساكين ينتقل إلى الكفارة التالية وهي تحرير رقبة مؤمنة أي شراء عبد مؤمن وعتقه أي إخلاء سبيله.
فمن لم يكن قادرا على ذلك ينتقل إلى الكفارة الأخيرة وهي صيام ثلاثة أيامِِ متتابعة فرضا من الله.
لقد سُمى اليمين المنعقد بهذا الاسم لأن وقوعه منعقد أي مربوط بحدوث شيء في المستقبل.
اليمين اللغو
هو الحلفان الذي يجري على لسان المتكلم دون قصد، سواء كان قوله صوابا أم خطأ، وفيما يلي سنتعرف عليه:
اليمين اللغو هو الذي يتكلم به المرء دون قصد منه بكذب في وسط الحديث، كقول المرء والله إني ضقت ذرعا بكذا أي أنه طفح به الكيل وقد يكون غير مستاءَ، فهذا لا يؤخذ عليه.
سُمى اليمين اللغو بهذا الاسم لأنه يأتي أثناء اللغو، واللغو في اللغة أي كثرة الكلام بدون فائدة، ومن صفات المؤمنين الذين أثنى الله عليهم في محكم تنزيله هي أنهم يبتعدون عن الحديث الذي لا فائدة منه، حيث قال قد أفلح المؤمنون الذين هم عن اللغو معرضون، ومن هنا أتى اسمه.
ينبغي على كل مسلم الابتعاد عن اللغو قدر المستطاع حتى لا يقع في ذلك اليمين، كما علينا الالتزام باتباع أوامر الله -عز وجل-.
علينا نحن المسلمون أن نحفظ أيماننا، ونبتعد عمن يكثرون من الحلف امتثالا لقوله تعالى (وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ) الآية 10 من سورة القلم، ففي هذه الآية يأمر الله نبيه بعدم طاعة من هو كثير الحلف فقد وصفه الله بالكذب.
هل اليمين الغموس من الكبائر ؟
نعم يعتبر اليمين الغموس من الكبائر، وفي ذلك يقول المولى -عز وجل- ((إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (77)) [آل عمران: آية 77])، وفيما يلي نوضح عقوبة اليمين الغموس:
في الدنيا لا يطهرهم الله من ذنوبهم، ويفقدون ثقة الناس؛ ومن ثم لا يستأمنهم الأقربون إليهم.
يلقون الله عز وجل يوم القيامة وهو غضبان عليهم.
لا ينظر الله تعالى إلى الكذابين يوم القيامة لشدة غضبه منهم.
سوف يعذب الله من تعمدوا الحلف باسمه بهتانا وزورا عذابا شديدا، وسيدخلهم جهنم وبئس المصير.
شروط التوبة من اليمين الغموس
اليمين الغموس من الكبائر، والكبائر هي الذنوب العظيمة والعياذ بالله، فقد ورد عنعبد الله بن عمرو عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (الكبائر: الإشراك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس واليمين الغموس). رواه الإمام البخاري في صحيحه، وقد أوجب العلماء في هذا الباب فرضية التوبة للمسلم المذنب؛ وذلك عن طريق شروط التوبة التي سنفصلها وهي :
الندم على الذنب.
كثرة الاستغفار والتضرع إلى الله.
رد المظالم إلى أصحابها أو إعادة الحقوق التي سلبها عند يمينه لعل الله يتوب عليه أو يتغمده برحمته.