المقصود بالظلم هو ما يدور حوله مقالنا والذي نقدمه لكم في مخزن حيث يعتبر الظلم من الأفعال والسلوكيات المنهي عنها في الإسلام وجميع الأديان السماوية، وذلك لما له من آثار سلبية كثيرة على الناس والمجتمع، وسوف نوضح لكم تعريف الظلم والمقصود به، أنواعه وآثاره.
يعتبر الظلم أحد أعظم الذنوب التي حذر منه الله سبحانه وتعالى عباده، كما ونهى عن اتباعه رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث ورد عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إيَّاكم والظُّلمَ فإنَّه ظُلُماتٌ يومَ القيامةِ)، حيث إن الظلم يعد من أكثر ما يجلب للمظلوم الألم والقهر، وقد جعل له الله تعالى دعوة لا ترد.
ويعني الظلم في اللغة الجور ومجاوزة الحد، في حين يعرف بالاصطلاح بأنه التعدي للباطل على الحق، وقيل أنه وضع الأشياء بغير موضعها سواء بالعدول عن وقتها أو مكانها، أو بالنقصان أو الزيادة، كما ويعرف بإتيان التصرف في ما يملك الغير، وفي معجم المعاني الجامع ذكر أن كلمة ظلم اسم جمعها (ظلْمَاءُ)، ويعني الجور وانتهاك حقوق الغير بالعدوان، وعدم الإنصاف بالظلم والعدوان.
أنواع الظلم الثلاثة
الظلم من أعظم الذنوب، وقد حرمه الله جل وعلا على نفسه، وحرمه على عباده أجمعين، وقد ورد به حديث عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيما رواه عن الله جل وعلا (يا عِبَادِي إنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ علَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فلا تَظَالَمُوا)، وله الكثير من الصور والأنواع ومنها ما يلي ذكره:
الظلم الأعظم
وهو أخطر وأعظم أنواع الظلم، وهو الشرك بالله وعبادة غير الله، وقد جعل الله جميع الذنوب التي قد يرتكبها العبد قابلة للمغفرة فيما عدا الشرك بالله دون توبة صادقة، وقد حذر الخالق جل وعلا من اقتراف مثل ذلك الإثم العظيم والظلم الشديد في القرآن الكريم في سورة لقمان الآيات 12: 13 (وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ، وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ).
وفي الظلم الأعظم وهو الشرك بالله ورد حديث عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال فيه (لَمَّا نَزَلَتْ هذِه الآيَةُ: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ}[٩]، شَقَّ ذلكَ علَى أصْحابِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وقالوا: أيُّنا لَمْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ؟! فقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ليسَ كما تَظُنُّونَ؛ إنَّما هو كما قالَ لُقْمانُ لِابْنِهِ: (يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ).
ظلم الإنسان لنفسه
يعني ظلم النفس ما يوجهه صاحبها إليها من إساءة سواء بالفعل أو ما يقوله من أقوال تخرج عن حدود الشرع، وهو ما قال فيه الله سبحانه في سورة يونس الآية 44 (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَٰكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)، وهناك العديد من أشكال ظلم الإنسان لنفسه، من أهمها ما يلي:
التعدي على حدود الله: حيث نهى الله جل وعلا في العديد من المواضع بالقرآن الكريم عن اقتراب العباد مما وضعه لهم من حدود، وهو ما يستدل عليه من قوله سبحانه في سورة البقرة الآية 229 (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا ۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ).
الكذب على الله: حيث إن من أعظم أنواع الكذب هو من يكذب على الله تعالى، ومن يكذب على الله فقد ظلم نفسه، وهو ما قال فيه الله سبحانه في سورة الأنعام الآية 144 (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِّيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ).
الإعراض عن آيات الله عن طريق تعطيل أحكامها: من ظلم المرء لنفسه الإعراض عن آيات الله جل وعلا، لما يعرض نفسه إليه من عقاب شديد، وهو ما قال به جل وعلا في كتابه الكريم في سورة طه الآية 124 (وَمَن أَعرَضَ عَن ذِكري فَإِنَّ لَهُ مَعيشَةً ضَنكًا وَنَحشُرُهُ يَومَ القِيامَةِ أَعمى).
الصد عن مساجد الله: وبخ الله جل وعلا الصادين عن سبيل الله بما قاله في كتابه العزيز بسورة البقرة الآية 144 (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَىٰ فِي خَرَابِهَا ۚ أُولَٰئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ ۚ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ).
ظلم الإنسان لغيره من الناس
يظلم الإنسان غيره عند تعديه على غيره من الناس سواء بالإيذاء، أو سلب مالهم بغير وجه حق، وهناك الكثير من أشكال ظلم وعدوان المرء على غيره، وفي الفقرة الآتية سوف نوضح لكم بعض من تلك الصور والأشكال:
تأخير رد الدين: وذلك عندما يكون المرء مقتدر ولم يسدد ما عليه من دين بالوقت المحدد لذلك، فهو ما يعد ظلمًا، وقد ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (مَطْلُ الغَنِيِّ ظُلْمٌ).
ظلم الشريك لشريكه: وهو ما قال به الله تعالى على لسان نبيه داود عليه السلام في سورة ص الآية 24 (قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَىٰ نِعَاجِهِ ۖ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ ۗ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ).
ظلم الرجل لزوجته: وله العديد من الصور منها أخذ راتبها أو مالها وإرثها تحت الوعيد والتهديد، عن غير طيب خاطر منها، أو منع الإنفاق عليها.
ظلم الجار: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إلحاق المسلم الأذى بجاره، واقتطاع جزء من ملكه، وتتبع عوراته، أو إلقاء القمامة أو فتح النوافذ على بيته، وغيرها من الأفعال التي تنقص من راحته وتلحق به الإزعاج والضرر، وفي ذلك الصدد ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره).
الحديث والقذف بأعراض المسلمين: وهو ما قال به الله جل وعلا في كتابه العزيز في سورة النور الآية 4 (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ).
أكل حق العمال: من أعظم أنواع الظلم عدم إعطاء العكال حقهم أو تأخير راتب، أو إنكارها عليهم، بما فيه استغلال لحاجتهم وضعفهم، وقد ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثَلاثَةٌ أنا خَصْمُهُمْ يَومَ القِيامَةِ، رَجُلٌ أعْطَى بي ثُمَّ غَدَرَ، ورَجُلٌ باعَ حُرًّا فأكَلَ ثَمَنَهُ، ورَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أجِيرًا فاسْتَوْفَى منه ولَمْ يُعْطِهِ أجْرَهُ).
نقص الكيل والميزان: نهى الله جل وعلا من نقص المكاييل والموازين، وهو ما يستدل عليه من قول الله تعالى في سورة المطففين الآية 1 (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ).
عدم الأمانة والدقة بالعمل: وهو أحد أعظم صور الظلم والتي يأخذ بها الأجير أو الموظف حقه كامل، وفي المقابل يؤدي عمله وما هو واجب عليه منقوص، وهو تحدث عنه الله تعالى في سورة الأحزاب الآية 72 (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا).
قتل النفس: وهو ما يقول فيه الله سبحانه وتعالى في سورة الإسراء الآية 33(وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ۗ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ ۖ إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا)، كما ورد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لَنْ يَزَالَ المُؤْمِنُ في فُسْحَةٍ مِن دِينِهِ، ما لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا).
عدم المساواة بين الأبناء: أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالعدل والمساواة بين الأبناء، كما وحذر من ظلم الأب لابنه، وقد ورد عن النعمان بن بشير رضي الله عنه أن أبوه أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له (إني نَحَلْتُ ابني هذا غلامًا فقال له: أَكُلَّ ولدِكَ له نِحْلةٌ مثلُ هذا؟ قال:لا، قال: فاردُدْهُ).
قهر اليتيم وأكل ماله: توعد الخالق سبحانه من يأكل مال اليتيم ظلمًا بأشد ألوان العذاب، وذلك لضعف اليتامى، وعدم مقدرتهم مثل الرائدين على إثبات حقهم، وهو ما قال به الله سبحانه وتعالى في سورة النساء الآية 10 (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَىٰ ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا ۖ وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا).
عاقبة الظلم
حذر الخالق جل وعلا عباده مما يلحق بالظالم في الدنيا والآخرة من عواقب الظلم، وهو ما ذكر بالكثير من المواضع في القرآن الكريم، كما ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم من إتيانه وحذر من عواقبه بالسنة النبوية، لذا نعرض لكم فيما يلي عواقب الظلم:
يحرم الظلم المظلوم من الشفاعة: وهو ما قال عنه الله تعالى في سورة غافر الآية 18 (مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ).
حرمان الظالم من الهداية: وهو ما قال فيه الله تعالى في سورة التوبة الآية 19 (أَجَعَلتُم سِقايَةَ الحاجِّ وَعِمارَةَ المَسجِدِ الحَرامِ كَمَن آمَنَ بِاللَّهِ وَاليَومِ الآخِرِ وَجاهَدَ في سَبيلِ اللَّهِ لا يَستَوونَ عِندَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهدِي القَومَ الظّالِمينَ).
لعنة الله على الظالم: يقول الله جل وعلا في سورة غافر الآية 52 (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ).
لا يفلح الظالم أبدًا: وهو ما قال فيه الله تعالى في سورة الأنعام الآية 21 (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّـهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ).
إصابة دعوة المظلوم للظالم: ورد عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (اتَّقِ دَعوةَ المظلومِ؛ فإنَّها ليس بينَها وبينَ اللهِ حِجابٌ).
يجلب الظلم للظالم العقاب والبلاء: يقول الله تعالى في سورة الحج الآية 45 (فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ).
المقصود بالظلم هو التعدي على حق الله أو حق النفس أو الغير بالظلم والعدوان وهناك الكثير من أنواع الظلم وأشكاله التي نهى الله تعالى ورسوله الكريم عن إتيان الظلم وتوعدوا فاعله بأشد العذاب في القرآن الكريم والسنة النبوية، وفي الختام نتمنى أن يكون مقالنا في مخزن قد أفادكم.