ابحث عن أي موضوع يهمك
الاخدود اين تقع تلك المنطقة التي حدثت بها قصة الأخدود العظيم، إذ يوجد الكثير من المناطق الأثرية والتاريخية في الدول العربية، وتاريخ هذه المناطق يسرد قصص شعوب وحضارات عاشت في هذه المناطق، والبعض منها ورد ذكره بالقرآن الكريم، وهو الحال فيما يتعلق بمنطقة الأخدود والتي ورد ذكرها في كتاب الله الحكيم، وسوف نتعرف في مخزن على موقعها والكثير من المعلومات والتفاصيل الهامة عنها.
تقع منطقة الأخدود بالجزء الغربي الجنوبي من المملكة العربية السعودية، وتتبع الأخدود منطقة نجران، إذ أنها تتوسط المنطقة فيما بين مدينتي الجربة والقابل، على الضفة الجنوبية لوادي نجران، وقد كانت تعرف مدينة الأخدود برقمات، ويعود تاريخ المدينة لعصور ما قبل الميلاد، والتي ترجع لمملكة حمير.
مدينة الأخدود واحدة من المدن السعودية، والتي تمتاز بالحدود ذات الشكل المربع، وقد كان يحيط بالمدينة في السابق من جميع الاتجاهات سور عظيم، والذي تم هدم جزء منه كبير، وتبلغ مساحته أربعة كيلومتر مربع، وتعتبر منطقة الأخدود من مدينة نجران، بحيث لا يفصل بينهم ما يزيد عن خمسة وعشرين كيلو متر، ويقع بمدينة الأخدود الكثير من القبور والآثار، وتلك الأثار يرجع البعض منها إلى ما قبل الميلاد، والتابعة لمملكة حمير، في حين أن البعض من آثارها يرجع للمسلمين عقب الدعوة الإسلامية.
وبالعصور الحديثة تم إرسال بعثات للكشف عن الجزء الشمالي مما عاش به المسلمين من مباني عمرانية، في حين تقع القبور بالجزء الجنوبي منها، وفي تلك القبور توجد القبور التي ترجع للمسلمين والتي كتب عليها اسم وتاريخ وفاة المتوفي، وترجع ما يوجد بالأخدود من قلعة إلى عصور ما قبل الميلاد، فلا يوجد بها أي من النقوش التي ترمز إلى الحضارة الإسلامية، وتنتشر بها النقوشات الغير إسلامية التي تتخض شكل كائن حي في صورة إنسان، وبعض الكتابات والحيوانات.
ويشار إلى أنه تم العثور في المدينة على مسجد إسلامي ، وكافة ما يوجد بها من أبنية تم العثور عليه في حالة متهدمة ومتهالكة، ولا يوجد بها سوى القليل من الحجارة المتناثرة والمتفرقة.
الأخدود هو تلك الحفرة التي يتم حفرها في الأرض، وقد كان أصحاب الأخدود هم المؤمنين الذين قتلوا على يد القوم الكافرين، وكان ملكهم كافر واسمه (زرعة بن تبّان أسعد الحميري)، ولقبه (ذو نواس اليهودي)، وحين وصلت إليه أخبار إيمان رعاياه بالنصرانية بدأ في مراودتهم هو واتباعه على العودة إلى دينه، ولكن المؤمنين امتنعوا عن ذلك، فأمر الملك بشق أخدود عظيم في الأرض، وأشعلوا النيران به، والتفوا حوله، وعرضوا على المؤمنين وفتنوهم أن من يستمر على الإيمان بالنصرانية يقذف بالأخدود، ومن يرجع عن ذلك يطلقون سراحه.
لذا لعنهم الله تعالى وتوعدهم وأهلكهم فقال فيهم في سورة البروج الآية 4 (قُتِلَ أَصْحَابُ الأخْدُودِ)، كما قال جل وعلا عنهم في سورة البروج الآية 5 (النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ)، وذلك من أعظم ما مكن ان يكون من قسوة القلب والتجبر، لجمعهم بين العناد والكفر بآيات الله سبحانه، وتعذيب أهلها ومحاربتهم بأصعب أشكال العذاب التي تنفطر لها القلوب.
إذ كان يحضر الكافرون لحظة إلقاء المؤمنين بنار الأخدود، وقد ذكر أن عدد المؤمنين الذين قتلوا في الأخدود قد بلغ عشرين ألفًا، وآخرون قالوا اثني عشر ألف، في حين ذكر الكلبي أن أصحاب الأخدود بلغوا من العدد سبعين ألف.
تأخذ قصة أصحاب الأخدود العديد من المراحل وكل مرحلة منها تتضمن مواقف بها الكثير من العظات والحكم والعبر، وهو ما سنتطرق إليه في الفقرات التالية:
أخبر النبي الكريم صوات الله عليه وسلامه أصحابه الكرام عن أصحاب الأخدود وملكهم، وأنه كان له ساحر مقرب منه، وحين تقدم بذلك الساحر العمر توجه إلى الملك بطلب أن يحضر غلامًا إليه حتى يعلمه السحر، وكان ذلك الغلام حين يمر بالساحر يشاهد راهبًا، فجلس إليه واستمع إلى حديثه، وهو ما أعجبه وأقتنع به.
وكلما أراد الغلام أن يمر بالساحر ذهب إلى الراهب أولًا واستمع إليه، وعندها أتى إليه الساحر وضربه، فشكا الغلام ذلك إلى الراهب والذي قال له (إذا خشيت الساحر فقل: حبسني أهلي، وإذا خشيت أهلك فقل: حبسني الساحر)، وما كان لتلك الكلمات إلا أن زادت الغلام حيرة وتساءل هل الراهب أفضل أم الساحر.
وفي يوم أتت دابة عظيمة وقفت بمنتصف الطريق، وحالت دون عبور المارة، وكلما اقترب أحد منها تحاول إيذائه، وحينها قال الغلام إلى نفسه، اليوم سوف أعلم من الأفضل الساحر أن الراهب، فتناول حجرًا بيده وقال (اللهم إن كان أمر الراهب أحبَّ إليك من أمر الساحر، فاقتل هذه الدابة حتى يمضي الناس)، فقتلت الدابة، وعندها أتاه الراهب وقال له (أي بُنَيَّ، أنت اليوم أفضل مني، قد بلغ من أمرك ما أرى، فإن ابتُليت فلا تدُلَّ عليَّ).
كان الغلام قادر على أن يبرئ الأبرص والأكمه، وكان يداوي الناس من جميع الأمراض، وقد بلغت أنبائه جليس الملك والذي كان قد أصيب بالعمى، فأتاه بالهدايا الكثيرة، وقال له أن تلك الهدايا جميعها سوف تكون ملكًا له إن تمكن من شفائه، فقال الغلام له أنه لا يشفي أحدًا ولكن الله تعالى هو الشافي، فإن أنت آمنت بالله الواحد دعوت له أن يشفيك، وقد آمن جليس الملك فشفاه الله سبحانه وتعالى.
وعندما أتى جليس الملك إلى الملك وقد وجده ذلك الأخير بصيرًا فقال له من رد إليك بصره، فأجابه الجليس (ربي)، فسأله الملك (وهل لك رب غيري)، فأجابه (ربي وربك الله)، فأمر الملك بتعذيبه إلا أن أخبر بأمر الغلام.
عقب أن دل الجليس على الغلام، أتى الملك بالغلام، فقال الملك له بلغتني أنباء أنك تقدر بسحرك على أن تبرئ الأبرص والأكمه وتداوي كل مريض، فأجابه الغلام أنه لا يشفي أحد ولكن الشافي هو رب العالمين، فأمر الملك بتعذيبه إلى أن أخبره بأمر الراهب، فأتى الملك بالراهب وقال له أرجع عن دينك، فرفض الراهب، فأمر الملك بتعذيبه إلى أن وضع المنشار على مفرق رأسه وشقه حتى وقع شقاه.
ثم عاد الملك وأتى بالغلام وقال له أرجع عن دينك، ولكن الغلام رفض، فأمر الملك جنوده أن يأخذوه إلى جبل ويصعدوا به إليه، وعند بلوغ قمته إن رجع عن دينه أصفحوا عنه، وإن لم يرجع ألقوا به من أعلى الجبل، وعند صعودهم إلى الجبل دعا الغلام ربه قائلًا (اللهم اكفنيهم بما شئت)، فرجف الجبل بهم وسقطوا من فوقه.
وأتى الغلام إلى الملك يمشي، فقال الملك له ما فعلت بالجنود، فأجاب الغلام (كفانيهم الله سبحانه)، فطلب الملك من جنود آخرين أن خذوه واصعدوا به على متن سفينة وفي وسط البحر ألقوه إن لم يرجع عن دينه، ففعل الغلام مثل أول مرة فانقلبت السفينة وغرقوا جميعًا ونجا الغلام، وعاد إلى الملك يمشي، ليسأله الملك عن الجنود ويجيب الغلام (كفانيهم الله).
فقال الغلام للملك أنك لست بقاتلي إلى أن تفعل ما آمرك به، فسأله الملك عن ذلك الأمر ليخبره بأن يجمع الناس بصعيد واحد ويربطه بجذع ثم يصلبه، ثم يأخذ سهمًا من كنانتي ويضعه بكبد القوس، ثم يقول (باسم الله رب الغلام)، وبعد قولها يرميه بالسهم، فإن فعل الملك ذلك سيموت الغلام، وقد نفذ الملك الأمر، فمات الغلام.
عند موت الغلام صاح الناس قائلين آمنا برب الغلام، آمنا برب الغلام، فحضر الملك فقال له جنوده أرأيت ها قد حدث ما كنت تحذر، قد والله نزل بك حذرُك فإن الناس قد آمنوا، فاستشاط الملك غضبًا، وأمر بشق الأخاديد وأضرمت بها النيران، وقال لجنوده من رجع عن دينه أتركوه، ومن لم يرجع ألقوا به، فنفذوا أمره إلى أن أتى الدور على امرأة تحمل رضيعها، فأرادت العودة عن موقفها إشفاقًا على رضيعها، فقال لها (يا أماه إنك على حق، فاصبري).
الاخدود اين تقع كان ذلك هو ما دار حوله مقالنا والذي قدمناه لكم في مخزن، والذي تعرفنا من خلاله على موقع الأخدود الذي حدثت به واقعة الأخدود العظيم والذي قتل بها الملك الظالم الكثير من المؤمنين، والذين وعدهم الله تعالى بالجنة والنعيم.