تعد الصلاة أهم العبادات التي يجب على المسلم أدائها كاملة باستحضار قلبه وذهنه، سواء أكان في حرب أو سلم، أو في مرض أو عافية، أو في سفر أو غيرها من الأحوال، فالصلاة هي ثاني ركن من أركان الإسلام، وهي الوصية الأخيرة من النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- للأمة، ولا يقوم الدين إلا بالصلاة فهي عموده وأساسه، وعلى المؤمن أن يخشع فيها؛ فالخشوع سر قبول الصلاة وروحها، ومن خلال موقع مخزن نتعرف على الأسباب المعينة على الخشوع .
إذا همّ المؤمن إلى صلاته وبدأها حاضرًا ذهنه بالقول والفعل فإنه يكون محققًا لسر قبول الصلاة، ألا وهو الخشوع، والذي يدل على استقامة المؤمن وصلاحه، وقوة إيمانه؛ فقد قال تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ)، ومن الأسباب التي تعين المسلم على تحقيقه ما يلي:
التهيؤ لبدء الصلاة
عند الشروع في الصلاة يجب على المسلم أن يُقبل على ربه مطمئنًا، ومستشعرًا رهبة الوقوف بين يديه متذكرًا عظمته شاكرًا لفضله.
من الأفعال التي تجعل المسلم مهيئًا للصلاة هي إسباغ الوضوء، فيجب القيام صحيحًا بأن يصل الماء إلى كافة أجزاء الأعضاء.
ينبغي الالتزام بأداء الصلاة في وقتها دون تأخير، والحفاظ على نظافة المكان وترتيبه؛ فذلك يعين على الخشوع.
التدبر والتأني في قراءة الآيات
جاء في الحديث: “مَن صلَّى صَلاةً فَلَمْ يَقْرَأْ فيها بأُمِّ القُرْآنِ… بمِثْلِ حَديثِ سُفْيانَ وفي حَديثِهِما قالَ اللَّهُ تَعالَى: قَسَمْتُ الصَّلاةَ بَيْنِي وبيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ فَنِصْفُها لي ونِصْفُها لِعَبْدِي” (صحيح مسلم).
دلالة الحديث السابق هي عدم قراءة سورة الفاتحة ناقصة أو دون تدبر وتأني؛ فنصفها الأول فيه اعتراف بالألوهية، ونصفها الثاني دعاء بالاستعانة، وهو مما يوجب الخشوع والتضرع.
وينبغي على المسلم أن ينوّع في قراءة الآيات والأدعية، ويقرأها بتأني ويحرص على ترتيلها والنطق الصحيح لها.
سجود التلاوة
إن حرص المسلم على سجود التلاوة يعينه على تحقيق الخشوع،وهو السجود الذي يكون بين الآيات القرآنية.
هو سجدة واحدة يؤديها المسلم في صلاته أو خارجها، ويكمل بعدها ما وقف عنده.
ومن الأدعية المستحب قولها في سجود التلاوة: “سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره بحوله وقوته”.
تجنب مكروهات الصلاة
على المسلم أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم لتجنب وساوس الشيطان، حتى لا يشتته عن الدعاء بإخلاص، ويتجنب الأمور المنهي عن فعلها في الصلاة.
فلا ينظر إلى السماء وهو يصلي بل إلى موضع السجود، ويبقي عينيه مفتوحتين، ولا يصلي عندما يحضر طعام وهو جائع أو يشعر بالنعاس.
مما يعين على خشوعه أيضًا أن لا يفكر في أمورٍ خارج ما يتعلق بصلاته، ولا ينظر إلى ما يلهيه، ولا يكرر قراءة السورة ذاتها في أكثر من ركعة.
من الأسباب المعينة على الصلاة في وقتها
من الواجب على المسلم أن يصلي الصلاة في وقتها خاشعًا متضرعًا لله عز وجل؛ فلذلك فضل عظيم وأجر كبير، فهي نور للعبد يوم القيامة، وتمحو خطيئاته وتُجنبه المنكرات، وهي أولى الأمور التي يحاسب عليها العبد، ومن الأمور المعينة على أدائها في وقتها ما يلي:
المبادرة إلى الصلاة فور سماع المؤذن
يجب على المسلم أن يقوم إلى صلاتها بعد سماعه للمؤذن والترديد وراءه، فيترك كل ما في يده ويجعل الصلاة على قائمة الأولويات.
من الممكن أن يستعين المرء بالبرامج التي تذكره بمواعيد الصلوات، حيث يوجد العديد من التطبيقات الملائمة لكافة الأجهزة الإلكترونية والتي تتضمن تنبيهات مختلفة.
التوبة ودوام الذكر والبعد عن النكرات
التوبة تبدأ بترك الذنوب وعدم العودة إليها، والصلاة ركعتين بنية التوبة عن تأخير الصلوات الخمس المفروضة.
كما يجب الحرص على ذكر الله في كل وقت وحين، فهو سبب لاطمئنان القلب والخشوع.
واليقين بأن المنكرات تزيد القلب قسوة، وتُبعد المسلم عن ربه، لذا يجب الابتعاد عنها وتجنب ما يعين عليها.
التعرف على حال السلف الصالح
خير الأمثلة التي نتعلم منها أسباب الخشوع هي الواردة عن أقوال وأفعال السلف الصالح، ويُضرب في ذلك العديد من الأمثلة، فيكون المسلم قادرًا على التأمل، فما من شيء رآه بعض سلفنا الصالح إلّا ووجدوا فيه عظة وعبرة.
فقد كانت إجابة علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- عند سؤاله عن سبب تغير حالته أثناء صلاته، بأنها وقت الأمانة؛ وهو من خير الأمثلة المضروبة في الخشوع.
استشعار عظمة الله وإجابته للعبد
هو من الأمور الواجبة على المسلم، والتي تعين على تحقيق الخشوع بالتأمل ومعرفة قدرة الله تعالى، ومحبته ورجائه والخوف منه.
جاء في الحديث: “كُنْتُ عِنْدَ عُثْمانَ فَدَعا بطَهُورٍ فقالَ سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: يقولُ ما مِنَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ تَحْضُرُهُ صَلاةٌ مَكْتُوبَةٌ فيُحْسِنُ وُضُوءَها وخُشُوعَها ورُكُوعَها، إلَّا كانَتْ كَفَّارَةً لِما قَبْلَها مِنَ الذُّنُوبِ ما لَمْ يُؤْتِ كَبِيرَةً وذلكَ الدَّهْرَ كُلَّهُ” (صحيح مسلم).
كما أن الدعاء بين الأذان والإقامة دلالة على إخلاص العبد واستشعاره لعظمة الله، ويقينه بإجابته.
معنى الخشوع والخضوع
حتى يحقق المسلم الخشوع الكامل ويصل إلى درجة عالية من قوة الإيمان عليه أن يكون ملمًّا بتفاصيل معنى الخشوع والخضوع من علامات وأنواع وغير ذلك، فمن كان طالبًا للخشوع ساعيًا إليه، وصادقًا مع الله فيه، فإنه يُهدى إليه بعد الاجتهاد والإخلاص.
الخشوع دلالة على قيام قلب العبد بالتذلل والخشوع إلى البارئ.
ولين القلب والخضوع والانكسار هم أصل الخشوع.
فهو نابعٌ من قلب المؤمن ثم تتبعه الجوارح بالأفعال.
معنى الخشوع في اللغة هو طأطأة الرأس، وهو يكون في صوت المرء وصورته، أما الخضوع يكون في الجسد.
معنى الخشوع مستمد من خشوع الأرض؛ أي اطمئنانها وسكونها.
يأتي بمعنى التواضع، والسكون، وغض البصر، ورقة القلب.
من موجبات الخشوع: الخوف والهيبة من الله عز وجل، والمحبة والرجاء، واستشعار قدرته وعظمته سبحانه وتعالى.
الخشوع في الصلاة ابن القيم
إذا حرص العبد على تحقيق الخشوع فإنه يكتسب الكثير من الثمرات، وقد قام ابن القيم -رحمه الله- بالتفريق بين حال العبد في كلا نوعي الخشوع، بالإضافة إلى وصفه لباب الخشوع بمحاسن الكلمات وأعذبها.
الخشوع بأن القلب يكون قائمًا بين يدي الله بذلٍّ وخضوع.
فقد وصفه ابن القيم بأن العبد يكون منكسرًا لربه كسرة تلتئم بالوجل والحب، وتتضمن حياءه وخجله واستشعاره لقدرة الله.
للخشوع قسمين أحدهما محمود والآخر مذموم، فالخشوع الحقيقي محلّه القلب، أما الخشوع المذموم والذي يتضمن نفاقًا محلّه الجوارح.
وقد نُهي عن الخشوع المتصنع الذي لا يحضر فيه قلب العبد، والذي يتضمن التكلف والتصنع.
نتيجة الخشوع تتمثل في تذكر العبد للذنوب التي فعلها، وشعوره بالتقصير تجاه ربه عز وجل، واليقين بأن كل ما يدعو به ويتمناه هو بيد الله، وهو من يقول للشيء كُن فيكون.
فوائد الخشوع في الصلاة
حتى تصبح عبادة المسلم أفضل وجب عليه أن يجعل الخشوع مرافقًا لحركاتها حتى يكون في العبادة حياة، وللخشوع في الصلاة العديد من الآثار الإيجابية التي تعود على العبد بالتوفيق والسداد، ومنها الآتي:
الخشوع سبب لدخول الجنة والنجاة من العذاب.
يجعل النفس راغبةً في رضا الله والقرب منه.
يبعد عن القلب القسوة، وبه يصبح العبد خائفًا من الله تعالى فيبتعد عن المنكرات في سلوكياته.
كما أن الخشوع دلالة على صلاح الأعمال، والاستقامة، وطهارة القلب.
يزيد الخشوع من حب العبد لأداء صلاته، ويجعلها أكثر يسرًا عليه؛ قال تعالى: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ) – سورة البقرة، آية 45.
يجعل العبد يبكي من خشية الله تعالى.
سبب للشعور بلذة الإيمان في مناجاة الله والرغبة في القرب منه.
سبب لانشراح الصدر وزوال الهم وتفريج الكرب.
نتيجة الخشوع بجد العبد بأن الصلاة أصبحت راحة لنفسه وقرة لعينه.
كلما زاد خشوع العبد ازدادت بلاغة دعائه، فتُفتح له أبواب إجابة الدعاء.
يحمي الخشوع صاحبه من الدخول إلى النار، وهو مما اتصف به الأنبياء.
بهذا نكون قد عرضنا لكم الأسباب المعينة على الخشوع ، والذي محلّه القلب ثم الجوارح، فالقلب بمثابة أمير الجوارح، حيث إنها تابعة له بحركاتها وأفعالها، فمن الواجب على المرء أن يُحسن عبادته ويجعلها تامّة حتى ينال رضا ربه في الدنيا والآخرة.
كما يمكنك الاطلاع على المواضيع المشابهة التالية عبر مخزن: